بعد 800 عام أما آن الأوان لقلعة تعز أن تلقي بخوذتها

استطلاع - خاص - فؤاد الفتاح - مشاريع

بعد 800 عام أما آن الأوان لقلعة تعز أن تلقي بخوذتها

2023-07-10 استطلاع - خاص - فؤاد الفتاح - مشاريع

بعد 800 عام أما آن الأوان لقلعة تعز أن تلقي بخوذتها

17 مشاهدات

0
18.225.56.116

ضع ايميلك ليصلك كل جديد

 

بعد 800 عام أما آن للقلعة ....أن تلقي بخوذتها.!!

مجلة مشاريع - مشاريع
165  |
الثلاثاء ( 13-07-2021 )
 

 

استطلاع/ مشاريع

تعز والقلعة .. جدلية الدجاجة والبيضة .
بسبب الجهل والأنانية المفرطة تحول مشروع الترميم إلى مشروع للتأميم .

حين تزور قلعة القاهرة في تعز ينتابك إحساس حقيقي ” بقوة المكان ” .. وكلما تنقلت في جبل القلعة شرقا وغربا شمالا وجنوبا نزولا وصعودا بين تلك المعالم التي لا تزال شامخة أو الأطلال منها كلما تزايد لديك ذلك الإحساس .. تقرأ في الجدران والمعالم معاني القوة والزهو والمنعة ومعنى العزة التي اشتقت المدينة اسمها منه ..

 وأنت هناك تشعر أن المكان يمنحك بعضاٍ من قوته وعزته وينفخ فيك بعضا من غروره وكبريائه فيتراى لك أن المدينة كلها قد باتت تحت نعليك ..
في قمة جبل القلعة أوالجبل الأخضر ـ كما كان يسمى من قبل ـ ومن تلك النقطة التي تعلو 300 متر تطل على 800 عام من تاريخ القلعة والمدينة التي كانت عاصمة اليمن لأكثر من 200 عام خلال حكم الدولة الرسولية.. 

من هنا مر الصليحيون والأيوبيون والرسوليون والمماليك والأتراك والأئمة والمْحرر ” شفتم الغرور الذي أصابني “.!

بين قلعتين

ثمة جذور تاريخية متشابكة بين تعز وقلعة القاهرة من جهة وبين القاهرة ” العاصمة المصرية ” وقلعة الناصر صلاح الدين من جهة أخرى .
 فعندما دخل شمس الدولة توران شاه ـ وهو أخ القائد صلاح الدين الأيوبي ـ تعز وتولى مقاليد الحكم على أنقاض الدولة الصليحية كان عمر القلعة آنذاك في حدود مائة عام ولم تكن قد أخذت شكلها وتحصيناتها النهائية والكاملة ..

قضى توران شاه في تعز نحو ثلاث سنوات واتخذها عاصمة لدولته بدلا من زبيد وما من شك في أنه قد أحدث في المكان تطويرا وإضافات خلال تلك الفترة وربما يكون تغيير اسم القلعة من ” تعز ” إلى ” القاهرة ” قد حدث خلال تلك الفترة .

إذا للأيوبيين علاقة بالقلعتين ـ قلعة القاهرة في تعز وقلعة صلاح الدين في القاهرة ـ ومن تيسر له زيارة القلعتين يمكن له إدراك الفرق بينهما .. وقد سبق لي أن زرت كل منهما مرتين .. 
وسأكتفي هنا بالتركيز على أهمية القلعتين أو الموقعين من الناحية السياحية والترفيهية كما وجدتهما ولن نخوض في النواحي التاريخية .

وفي الحقيقة لو لم يكن ” جامع محمد علي ” الواقع داخل أسوار قلعة الناصر صلاح الدين في القاهرة لما اكتسب المكان ـ الذي يطلق عليه بالكامل اسم القلعة ـ تلك الأهمية ولما حظي بذلك الإقبال الكبير والهائل من قبل السياح والمصريين .

 فالجامع الذي يعد تحفة معمارية رائعة من الخارج والداخل هو السبب الرئيسي في جعل الموقع يأتي في المرتبة الثانية بين أهم وأشهر المعالم السياحية في القاهرة بعد أهرامات الجيزة .
اهتمام السلطات المصرية بالموقع وحمايته جعله يحتفظ بمعالمه التاريخية وقيمته المعمارية الفنية دون تشويه وعندما يضيف المصريون شيئا تكون تلك الإضافة في خدمة المكان وتاريخه ولزيادة تفاعل السائح مع المكان .

فمثلا : في قلعة صلاح الدين بالقاهرة ، يمكنك الطواف بالمتحف وزيارة عدد من المباني التاريخية المرتبطة بفترة الأيوبيين أو المماليك وبإمكانك أيضا أن ترتدي ملابس مشابهة لملابس السلطان محمد علي وطربوشه وسيفه أو زي أحد قادته ليلتقطوا لك صورة واحدة مقابل 30 أو أربعين جنيها ..
 وفي القلعة يمكنك أن تحضر فعاليات ثقافية وفنية راقية مصرية وعالمية .

هذه التفاصيل ليست خروجا عن الموضوع ، بل في خدمته فلا تتسرع عزيزي القارئ بالحكم ..
 
في زيارتي الأخيرة لقلعة صلاح الدين بالقاهرة وصلت البوابة متأخرا بضع دقائق عن موعد السماح بالدخول ـ الذي ينتهي قبل ساعة من موعد إخلاء المكان من زائريه ـ فاضطر الأخ محمد السيد إلى دفع عشرة جنيهات ” كبقشيش ” ولكنه كان البقشيش الوحيد الذي لم نأسف عليه .

وفي زيارتي الثانية لقلعة القاهرة في تعز أواخر أغسطس الماضي كانت أعمال الترميم أو إعادة التأهيل كما يسمونها متوقفة ولا يعلم إلا الله متى تستأنف ومتى ستنتهي الأعمال في ذلك المشروع .. 

نحو سبع سنوات مرت على زيارتي الأولى حينها " أي عام 2005"  كان العمل في المشروع يدخل سنته الثالثة ـ كما اعتقد ـ .
 كانت الأعمال تجري على قدم وساق . توقفنا بسيارة الصديق العزيز خالد العزي قرب منتصف الجبل وأخذنا أماكننا عند بركة المياه العملاقة ولم نكمل الصعود وقد كان المكان يعج بالزوار والعائلات صعودا ونزولا غير آبهين بالرمال التي تكسوهم من أثر السيارات التي كانت تسير في الطريق الترابية.

مهمة شاقة

في هذه المرة كنت مصمما على الوصول إلى قمة جبل القلعة حيث المبنى الرئيسي ، فهو بالنسبة للحصن أو الجبل بمثابة التاج من الملك أو العروس ، وقد تحول المبنى مؤخرا إلى متحف ـ كما سمعنا وقرأنا ـ ولا بد لي من الإحاطة بكل شيء في المكان لأنني في مهمة عمل تقاضيت عنها أجرا ولست في فسحة أو نزهة خاصة بي .. 

وفي الصباح كنت عند النقطة التي يبدأ منها الطريق الصاعد .. وبنظرة سريعة تأملت في الجبل والطريق فبدا لي المكان شبه مقفر فأدركت أنني في مهمة شاقة ..
 لكن وجود ثلاث دراجات نارية متوقفة في مدخل الطريق الصاعد أعطاني بعض الأمل في تسهيل المهمة .
دخلت بقالة في المكان للتزود بالمياه والبسكويت ولما خرجت لم أجد أثرا للدراجات النارية .. اختفت وكأنها كانت حلما.
توكلت على الله وبدأت رحلة الصعود راجلا .. حوالي خمسين مترا من الطريق رصفت بأحجار البلق التي أصبحت سطوحها غير المستوية ملساء كالزجاج وبعدها بدأت طريق وعرة لم ترصف بعد وقد شقت سيول الأمطار أخاديدها في وسط وجوانب الطريق .. 
مواصلة السير ” وحدي ” في المكان الذي يبدو مقفرا ـ مع ما يكتنفه من أهمية تاريخية وسياسية وعسكرية ـ جعلني في حالة من التوجس والحذر وعدم الشعور بالأمان .. ولربما أقع بين لحظة وأخرى في ورطة أو فخ من أي نوع .. ثم أتماسك وأواصل السير.
أتعثر في الطريق الوعرة أكثر من مرة .. فأمعن النظر في مواضع أقدامي بين الأحجار .. 
تسقط قطرات العرق على زجاج نظارتي وتتحول إلى عبء بصري ، أحاول مسح القطرات بأصبعي ولا أفلح .. تدرون لماذا ¿ لأن القطرات كانت على الوجه الداخلي لزجاج النظارة .. أضحك من نفسي وأشعر بالحاجة إلى اختراع نظارة مع مساحة كتلك التي تعمل على زجاج السيارات أثناء المطر .. 


يبدو الموقف الطريف إشارة إلى ولوج فترة استراحة . توقفت عن السير وجلست على جدار الطريق لتجفيف عرقي وتناول حبات من البسكويت .

الإشارة خضراء

ثم استأنفت سيري أو بالأحرى صعودي من جديد . ومن بعيد ظهر لي ” أول كائن حي في المكان ” يشبه جنديا يجلس في منتصف الطريق على بعد عشرات الأمتار وعلى غير عادتي شعرت بالأمان .
 اقتربت منه . كان كما توقعت فعلا ، جندياٍ يحتضن بندقيته وقد كان نصف مستلق في الأخدود الذي حفره السيل وسط الطريق ..

 رد تحيتي وفتش حقيبتي الصغيرة بدقة ثم أذن لي بمواصلة السير فوهبت له بعضا من بسكويتي ” ليس حبا فيه ولكن انتقاما من نفسي الأمارة بالسكر ” .

وصلت حافة البركة الكبيرة التي كانت مسبحا وخزان مياه . لا تزال البركة ” المقضضة ” بسخاء وكرم سليمة وكأنها بنيت قبل سنوات . وفي البركة الممتلئة بالمياه الخضراء يسبح الكثير من أكياس وعلب البلاستيك وعلى حافتها يمرح بعض الأطفال الذين بددوا ببهجتهم وحشة المكان .

بعدها بدأت المرحلة الثانية من الصعود وقد كانت الطريق مرصوفة جيدا ” بأحجار الحبش” التي تبدو غريبة على مواد البناء المستخدمة في كل المنشآت والجدران في الموقع بل غير مألوفة في التراث المعماري لمنطقة تعز ولم تستخدم في مباني المدينة إلا قبل بضعة عقود .
 عملية رصف الطريق التي تسمح بعبور سيارتين في آن ” صاعدة ونازلة ” بدأت من قمة الجبل وتوقفت عند الثلث الأسفل .

تبددت وحشتي في المكان مع تواجد بعض الزوار والعائلات يسيرون في مجموعات بين اثنين إلى خمسة أفراد ، وقد كانت معاناة الفتيات والنساء من مشقة الطريق واضحة عند الصعود ، وفي النزول يجدن صعوبة في السير بأحذية عالية أو حتى متوسطة نظرا للانحدار الشديد في منسوب الطريق فيضطرن إلى حمل أحذيتهن والسير حافيات .

مشروع ترميم أم تأميم

وبعد إكمال حوالي ثلثي الطريق توقفت عند لوحة حجرية ضخمة في أحد الجدران الذي بني حديثا وقد حفر عليها اسم المشروع والرئيس الذي رعاه وافتتحة والتاريخ واسم الشركة والمقاول و.. .. .. يعني حجر أساس . مشهد يبعث على الضحك والبكاء في آن .
خلاص ! أصبح للمكان والبناء تاريخ آخر وتحولت عملية ترميم موقع تأريخي إلى مشروع عملاق وإنجاز جديد يضاف إلى إنجازات الأشخاص والجهات ” المحفورة ” أسماؤهم على ذلك الحجر..!!
 أين ذهب الصليحيون والأيوبيون والرسوليون ومن بعدهم،  أين ذهب المطهر بن شرف الدين الذي بنى سور المدينة وعقده على رقبة القلعة في سبع سنوات فقط " أين ذهبت 800 عام من تاريخ حصن الملوك والمدينة ¿ .

يبدو أن التشويه الذي ساد عملية الترميم وقد كتب عنه وقيل فيه الكثير خلال السنوات الماضية كان يهدف فعلا إلى إظهار المكان بصورة مختلفة عما كان عليه ولم يكن ناتجا عن أخطاء هندسية أو نقص في الخبرات ولا سوء في التقدير . وبالفعل لولا وجود بعض المعلم والمباني على حالتها السابقة لبدا المشروع حديثا أسوة بمنتزه زايد أو فندق سوفتيل .

 تركت المكان ومشهد الحجر الذي كان بمثابة ” الجهر بالفاحشة ” ولا يليق تصويره ..

آغا القلعة لا يزال حيا

وفي القمة كانت المفاجأة المبنى الرئيسي أو القلعة التي كانت قد تحولت إلى متحف ـ كما كنا نسمع ونقرأ ـ مغلقة والهدوء يخيم على المكان ، وبعد دقائق وصلت مجموعة من الشباب وأتجه أحدهم صوب البوابة الخشبية الضخمة للقلعة وأخذ يدق القطعة المعدنية ” المستخدمة في البوابات القديمة ” بقوة وباستمرار وكأنها بيت جده .. 
فْتحت البوابة وأطل منها جندي تفحص هوية الطارق وتبادلا بعض الكلمات ثم أغلقت من جديد سألنا الطارق عما دار بينه والجندي قال لنا : ممنوع الدخول ، فيها عسكر !! سألناه : مماليك أو أتراك .. فضحك الجميع وعدنا نتدحرج إلى الأسفل وكانت رحلة العودة تحت الشمس المحرقة وانحدار الطريق أكثر عناء من الصعود ،فتذكرت مشهد الفتيات اللاتي كن يعدن حاملات أحذيتهن عند صعودي وأدركت متأخرا معنى العودة بخفي حنين .

وفي الأسفل وجدت ذلك الجندي الذي قاسمته البسكويت رابضا في مكانه فعاتبته مازحا : ليش سمحت لي أطلع ¿ ليش ما قلت لي ممنوع كما يقول لنا العسكر في كثير من الأماكن والبوابات ¿ 
بصراحة : أنا زعلان منك جدا ! بينما ظل الجندي يتأمل حالتي المنهكة ويراقب خطواتي المتعثرة باهتمام ..
 وحتى أحرمه متعة المشاهدة توقفت عن السير وجلست على مقربة منه أكمل بقية البسكويت بمفردي حتى آخر حبة .

جدلية البيضة والدجاجة

لا يمكن الحديث عن تاريخ مدينة تعز بمعزل عن تاريخ قلعة القاهرة فالعلاقة بين الاثنتين مترابطة إلى حد كبير وهي أشبه بالعلاقة الجدلية المعروفة ” أيهما أولا : البيضة أم الدجاجة ¿ ” كانت القلعة التي أسسها السلطان عبدالله بن محمد الصليحي ـ احد ملوك الدولة الصليحية (439 -532هـ) (1045 – 1138م) في القرن الحادي عشر الميلادي تسمى تعز قبل أن تتخلى عن هذا الاسم وتهديه للمدينة التي بدأت في التشكل والتوسع عند سفح الجبل الذي تعلوه القلعة التي اتخذت لها اسما جديدا هو ” القاهرة ” .

قبل ذلك لم تكن تعز سوى بضع قرى أسفل جبل القلعة من جهتي الشرق والغرب لكل منها اسمها الخاص ـ ذو عدينة ، ذو هزيم والمغربة ـ ويبدو أن الموقع الاستراتيجي للقلعة المطل على الطريق الذي يربط بين منطقة الساحل كالمخا وزبيد وبين الجند وعدن وصنعاء هو الدافع وراء بناء القلعة .

أي أن الهدف الرئيسي من بناء القلعة لم يكن من أجل المدينة الواقعة عند سفحها ـ والتي لم تكن سوى بضعة قرى كما أشرنا سابقا ـ فقد كانت ” الجند ” هي حاضرة المنطقة في تلك الفترة قبل أن تسلم الراية إلى الحاضرة الجديدة تعز وتتحول الجند إلى ضاحية لها .

الأيوبيون وتأسيس المدينة

وقد رافق بدايات إنشاء الحصن عملية استيطان وتجمع لذوي المصالح في سفوح الحصن من مختلف الجهات ،  وغدا المكان محطة وسط يربط بين الجند وجبا وزبيد وعدن وصبر والتعكر.

ومثلما كان للسلطان عبدالله بن محمد الصليحي السبق في بناء حصن تعز ، فقد كان للايوبيين السبق الحقيقي في بناء المدينة عندما وصل شمس الدولة توران شاه – أخو الناصر صلاح الدين- إلى اليمن سنة 569هـ – 1173م واتخذ من مدينة زبيد مكاناٍ لملكه بعد أن قدم من الشام ثم غادر تهامة إلى الجبال مع كوكبة من الأطباء بحثا عن مكان أنقى هواءٍ وأصح ماءٍ ليقيم فيه،  فوقع الإجماع على منطقة تعز حالياٍ ، وجعلها موقعاٍ لكرسي ملكه كما جاء في «تاريخ اليمن» لمؤلفه نجم الدين عمارة اليمني .

غير أن المدينة أخذت تتسع بسرعة مذهلة خلال انتقال السلطة من بني أيوب إلى بني رسول ( 1229ـ 1445 م ) حتى أن الملك المظفر يوسف بن عمر أعلنها عاصمة لمملكته التي شملت اليمن بأكمله وبلغت ذروة ازدهارها ومجدها وقوة سلطانها عندما وصل نفوذها إلى الحجاز.

الإمام المطهر والسور

بعد سقوط الدولة الرسولية التي استمرت نحو 230 عاما ، عاشت المدينة فترات مريرة من الحروب وعدم الاستقرار توزعت خلال حكم الدولة الطاهرية والمماليك والأتراك والأئمة وتعرضت المدينة خلال هذه الفترات للتدمير والسلب والنهب ، وعندما استولى الإمام المطهر بن شرف الدين على تعز عام 941هـ عمل على إنشاء سور للمدينة لحمايتها من الاعتداءات المتكررة ، حيث بدأ العمل فيه عام 943 هـ واستمر تنفيذه سبع سنوات . 
وقد كان السور يمر بمحاذاة شارع 26 سبتمبر مرورا بباب موسى والباب الكبير ثم يعود متسلقا جبل القلعة من الشرق والغرب لتبدو المدينة القديمة والسور وكأنها قلادة معلقة حول عنق القلعة .
 وما كان لي الخروج بهذا التشبيه لولا اللوحة التي رسمها العالم الدانماركي ” كريستيان نيبور ” الذي وصل إلى تعز في الـ 13 من يونيو 1763م ودون تفاصيل تلك الرحلة في كتابه ” من كوبنهاجن إلى صنعاء ” إذ لم يعد للسور أي أثر حول المدينة القديمة واختفى مثل الكثير من المعالم التاريخية بالمدينة .

لم تكن القلعة منذ تأسيسها مجرد حصن عسكري بل كانت مقرا للملوك حيث تحتوي على العديد من القصور والمرافق الترفيهية والخدمية الفخمة التي لا تزال شاهدة على المكانة المتقدمة التي بلغتها تلك الدول خلال تلك الفترات ،  وفي نفس الوقت على حجم المخاطر التي كانت تواجهها .

وقد شهدت القلعة ـ التي ربطت عقدة سور المدينة خلف رقبتها ـ العديد من الأحداث السياسية والعسكرية الهامة خلال العصور المختلفة بعد تزايد دورها في السيطرة على المدينة وإخضاع المتمردين والمتربصين بالحكم .

الرهائن ومذبحة القلعة

عام 1030 م شهدت القلعة أول عهدها بالرهائن وكانت تسمى" الرهائن المثلثة " إذ كان الحاكم التركي للمدينة ” صفر آغا ” يفرض على كل شيخ أن يسلم ثلاثة من أفراد عائلته كرهائن .. وفي عام 996 هـ شهدت القلعة تمردا داميا للمعتقلين الذين انتهزوا فرصة غياب الوالي التركي “صفر آغا” وكثير من جنوده الذين كانوا يحيون جمعة رجب في الجند وقاموا ـ المعتقلون ـ بدفع آغا القلعة إلى سد للمياه ” بركة كبيرة تبلغ مساحتها نحو 400 متر مربع ” وانهالوا عليه رجما بالحجارة إلى أن مات ، ثم اتجهوا نحو مخازن السلاح لتسود بعد ذلك حالة من الهرج والمرج داخل القلعة التي كانت مأهولة بعشرات العائلات من أهل الحامية ، وتعالى صراخ النساء والأطفال حتى وصل الخبر إلى الوالي التركي في الجند فعاد مع جنوده على وجه السرعة وتم القضاء على التمرد والقبض على الثائرين وضربوا بقسوة ثم وضعوا في شوالات وتم رميهم من أعلى جبل القلعة بناء على أمر الوالي التركي حسن باشا وتركوا دون دفن .

القلعة وانقلاب 1955

وفي عام 1955 كان للقلعة الكلمة الفصل في حسم الانقلاب الذي تم ضد الإمام أحمد حيث أجبر على التنازل عن العرش لأخيه عبد الله .. الانقلاب الذي قاده عسكريا المقدم أحمد الثلايا لم يدم أكثر من ثلاثة أيام بعد أن تدخلت قلعة القاهرة لصالح الإمام المخلوع أحمد ، حيث تعرض الانقلابيون في مواقعهم بمنطقة العرضي لقصف مدفعي مركز ومستمر من حامية أو ” مفرزة ” قلعة القاهرة التي كان يقودها يحيى بن سرحان المحجاني ، وأجبر الانقلابيون على ترك مواقعهم وتفرقوا في كل النواحي ، ليعود الإمام أحمد مرة أخرى إلى عرشه بفضل القاهرة وموقعها المتميز .

وعلى الرغم من إعادة تأهيل القلعة الذي تم مؤخرا بهدف استغلالها كموقع أثري سياحي وترفيهي وقد كلف ذلك مليارات الريالات لا يزال البعض ينظر للقلعة كموقع عسكري هام للسيطرة على المدينة وهو ما تجلى مؤخرا في الأحداث التي شهدتها المدينة خلال 2011م ويبدو أنها لا تزال حتى الآن في حالة تأهب للقادم المجهول وهذا ما يفسر إغلاق متحف القلعة بعد افتتاحه بفترة بسيطة وتوقف أعمال إعادة التأهيل .


المراجع :
مدينة تعزـ غصن نظير في دوحة التاريخ ـ محمد محمد المجاهد
تعز ـ فرادة المكان وعظمة التاريخ فيصل سعيد فارع

بعد 800 عام أما آن للقلعة ....أن تلقي بخوذتها.!!

مجلة مشاريع - مشاريع
165  |
الثلاثاء ( 13-07-2021 )
 

 

استطلاع/ مشاريع

تعز والقلعة .. جدلية الدجاجة والبيضة .
بسبب الجهل والأنانية المفرطة تحول مشروع الترميم إلى مشروع للتأميم .

حين تزور قلعة القاهرة في تعز ينتابك إحساس حقيقي ” بقوة المكان ” .. وكلما تنقلت في جبل القلعة شرقا وغربا شمالا وجنوبا نزولا وصعودا بين تلك المعالم التي لا تزال شامخة أو الأطلال منها كلما تزايد لديك ذلك الإحساس .. تقرأ في الجدران والمعالم معاني القوة والزهو والمنعة ومعنى العزة التي اشتقت المدينة اسمها منه ..

 وأنت هناك تشعر أن المكان يمنحك بعضاٍ من قوته وعزته وينفخ فيك بعضا من غروره وكبريائه فيتراى لك أن المدينة كلها قد باتت تحت نعليك ..
في قمة جبل القلعة أوالجبل الأخضر ـ كما كان يسمى من قبل ـ ومن تلك النقطة التي تعلو 300 متر تطل على 800 عام من تاريخ القلعة والمدينة التي كانت عاصمة اليمن لأكثر من 200 عام خلال حكم الدولة الرسولية.. 

من هنا مر الصليحيون والأيوبيون والرسوليون والمماليك والأتراك والأئمة والمْحرر ” شفتم الغرور الذي أصابني “.!

بين قلعتين

ثمة جذور تاريخية متشابكة بين تعز وقلعة القاهرة من جهة وبين القاهرة ” العاصمة المصرية ” وقلعة الناصر صلاح الدين من جهة أخرى .
 فعندما دخل شمس الدولة توران شاه ـ وهو أخ القائد صلاح الدين الأيوبي ـ تعز وتولى مقاليد الحكم على أنقاض الدولة الصليحية كان عمر القلعة آنذاك في حدود مائة عام ولم تكن قد أخذت شكلها وتحصيناتها النهائية والكاملة ..

قضى توران شاه في تعز نحو ثلاث سنوات واتخذها عاصمة لدولته بدلا من زبيد وما من شك في أنه قد أحدث في المكان تطويرا وإضافات خلال تلك الفترة وربما يكون تغيير اسم القلعة من ” تعز ” إلى ” القاهرة ” قد حدث خلال تلك الفترة .

إذا للأيوبيين علاقة بالقلعتين ـ قلعة القاهرة في تعز وقلعة صلاح الدين في القاهرة ـ ومن تيسر له زيارة القلعتين يمكن له إدراك الفرق بينهما .. وقد سبق لي أن زرت كل منهما مرتين .. 
وسأكتفي هنا بالتركيز على أهمية القلعتين أو الموقعين من الناحية السياحية والترفيهية كما وجدتهما ولن نخوض في النواحي التاريخية .

وفي الحقيقة لو لم يكن ” جامع محمد علي ” الواقع داخل أسوار قلعة الناصر صلاح الدين في القاهرة لما اكتسب المكان ـ الذي يطلق عليه بالكامل اسم القلعة ـ تلك الأهمية ولما حظي بذلك الإقبال الكبير والهائل من قبل السياح والمصريين .

 فالجامع الذي يعد تحفة معمارية رائعة من الخارج والداخل هو السبب الرئيسي في جعل الموقع يأتي في المرتبة الثانية بين أهم وأشهر المعالم السياحية في القاهرة بعد أهرامات الجيزة .
اهتمام السلطات المصرية بالموقع وحمايته جعله يحتفظ بمعالمه التاريخية وقيمته المعمارية الفنية دون تشويه وعندما يضيف المصريون شيئا تكون تلك الإضافة في خدمة المكان وتاريخه ولزيادة تفاعل السائح مع المكان .

فمثلا : في قلعة صلاح الدين بالقاهرة ، يمكنك الطواف بالمتحف وزيارة عدد من المباني التاريخية المرتبطة بفترة الأيوبيين أو المماليك وبإمكانك أيضا أن ترتدي ملابس مشابهة لملابس السلطان محمد علي وطربوشه وسيفه أو زي أحد قادته ليلتقطوا لك صورة واحدة مقابل 30 أو أربعين جنيها ..
 وفي القلعة يمكنك أن تحضر فعاليات ثقافية وفنية راقية مصرية وعالمية .

هذه التفاصيل ليست خروجا عن الموضوع ، بل في خدمته فلا تتسرع عزيزي القارئ بالحكم ..
 
في زيارتي الأخيرة لقلعة صلاح الدين بالقاهرة وصلت البوابة متأخرا بضع دقائق عن موعد السماح بالدخول ـ الذي ينتهي قبل ساعة من موعد إخلاء المكان من زائريه ـ فاضطر الأخ محمد السيد إلى دفع عشرة جنيهات ” كبقشيش ” ولكنه كان البقشيش الوحيد الذي لم نأسف عليه .

وفي زيارتي الثانية لقلعة القاهرة في تعز أواخر أغسطس الماضي كانت أعمال الترميم أو إعادة التأهيل كما يسمونها متوقفة ولا يعلم إلا الله متى تستأنف ومتى ستنتهي الأعمال في ذلك المشروع .. 

نحو سبع سنوات مرت على زيارتي الأولى حينها " أي عام 2005"  كان العمل في المشروع يدخل سنته الثالثة ـ كما اعتقد ـ .
 كانت الأعمال تجري على قدم وساق . توقفنا بسيارة الصديق العزيز خالد العزي قرب منتصف الجبل وأخذنا أماكننا عند بركة المياه العملاقة ولم نكمل الصعود وقد كان المكان يعج بالزوار والعائلات صعودا ونزولا غير آبهين بالرمال التي تكسوهم من أثر السيارات التي كانت تسير في الطريق الترابية.

مهمة شاقة

في هذه المرة كنت مصمما على الوصول إلى قمة جبل القلعة حيث المبنى الرئيسي ، فهو بالنسبة للحصن أو الجبل بمثابة التاج من الملك أو العروس ، وقد تحول المبنى مؤخرا إلى متحف ـ كما سمعنا وقرأنا ـ ولا بد لي من الإحاطة بكل شيء في المكان لأنني في مهمة عمل تقاضيت عنها أجرا ولست في فسحة أو نزهة خاصة بي .. 

وفي الصباح كنت عند النقطة التي يبدأ منها الطريق الصاعد .. وبنظرة سريعة تأملت في الجبل والطريق فبدا لي المكان شبه مقفر فأدركت أنني في مهمة شاقة ..
 لكن وجود ثلاث دراجات نارية متوقفة في مدخل الطريق الصاعد أعطاني بعض الأمل في تسهيل المهمة .
دخلت بقالة في المكان للتزود بالمياه والبسكويت ولما خرجت لم أجد أثرا للدراجات النارية .. اختفت وكأنها كانت حلما.
توكلت على الله وبدأت رحلة الصعود راجلا .. حوالي خمسين مترا من الطريق رصفت بأحجار البلق التي أصبحت سطوحها غير المستوية ملساء كالزجاج وبعدها بدأت طريق وعرة لم ترصف بعد وقد شقت سيول الأمطار أخاديدها في وسط وجوانب الطريق .. 
مواصلة السير ” وحدي ” في المكان الذي يبدو مقفرا ـ مع ما يكتنفه من أهمية تاريخية وسياسية وعسكرية ـ جعلني في حالة من التوجس والحذر وعدم الشعور بالأمان .. ولربما أقع بين لحظة وأخرى في ورطة أو فخ من أي نوع .. ثم أتماسك وأواصل السير.
أتعثر في الطريق الوعرة أكثر من مرة .. فأمعن النظر في مواضع أقدامي بين الأحجار .. 
تسقط قطرات العرق على زجاج نظارتي وتتحول إلى عبء بصري ، أحاول مسح القطرات بأصبعي ولا أفلح .. تدرون لماذا ¿ لأن القطرات كانت على الوجه الداخلي لزجاج النظارة .. أضحك من نفسي وأشعر بالحاجة إلى اختراع نظارة مع مساحة كتلك التي تعمل على زجاج السيارات أثناء المطر .. 


يبدو الموقف الطريف إشارة إلى ولوج فترة استراحة . توقفت عن السير وجلست على جدار الطريق لتجفيف عرقي وتناول حبات من البسكويت .

الإشارة خضراء

ثم استأنفت سيري أو بالأحرى صعودي من جديد . ومن بعيد ظهر لي ” أول كائن حي في المكان ” يشبه جنديا يجلس في منتصف الطريق على بعد عشرات الأمتار وعلى غير عادتي شعرت بالأمان .
 اقتربت منه . كان كما توقعت فعلا ، جندياٍ يحتضن بندقيته وقد كان نصف مستلق في الأخدود الذي حفره السيل وسط الطريق ..

 رد تحيتي وفتش حقيبتي الصغيرة بدقة ثم أذن لي بمواصلة السير فوهبت له بعضا من بسكويتي ” ليس حبا فيه ولكن انتقاما من نفسي الأمارة بالسكر ” .

وصلت حافة البركة الكبيرة التي كانت مسبحا وخزان مياه . لا تزال البركة ” المقضضة ” بسخاء وكرم سليمة وكأنها بنيت قبل سنوات . وفي البركة الممتلئة بالمياه الخضراء يسبح الكثير من أكياس وعلب البلاستيك وعلى حافتها يمرح بعض الأطفال الذين بددوا ببهجتهم وحشة المكان .

بعدها بدأت المرحلة الثانية من الصعود وقد كانت الطريق مرصوفة جيدا ” بأحجار الحبش” التي تبدو غريبة على مواد البناء المستخدمة في كل المنشآت والجدران في الموقع بل غير مألوفة في التراث المعماري لمنطقة تعز ولم تستخدم في مباني المدينة إلا قبل بضعة عقود .
 عملية رصف الطريق التي تسمح بعبور سيارتين في آن ” صاعدة ونازلة ” بدأت من قمة الجبل وتوقفت عند الثلث الأسفل .

تبددت وحشتي في المكان مع تواجد بعض الزوار والعائلات يسيرون في مجموعات بين اثنين إلى خمسة أفراد ، وقد كانت معاناة الفتيات والنساء من مشقة الطريق واضحة عند الصعود ، وفي النزول يجدن صعوبة في السير بأحذية عالية أو حتى متوسطة نظرا للانحدار الشديد في منسوب الطريق فيضطرن إلى حمل أحذيتهن والسير حافيات .

مشروع ترميم أم تأميم

وبعد إكمال حوالي ثلثي الطريق توقفت عند لوحة حجرية ضخمة في أحد الجدران الذي بني حديثا وقد حفر عليها اسم المشروع والرئيس الذي رعاه وافتتحة والتاريخ واسم الشركة والمقاول و.. .. .. يعني حجر أساس . مشهد يبعث على الضحك والبكاء في آن .
خلاص ! أصبح للمكان والبناء تاريخ آخر وتحولت عملية ترميم موقع تأريخي إلى مشروع عملاق وإنجاز جديد يضاف إلى إنجازات الأشخاص والجهات ” المحفورة ” أسماؤهم على ذلك الحجر..!!
 أين ذهب الصليحيون والأيوبيون والرسوليون ومن بعدهم،  أين ذهب المطهر بن شرف الدين الذي بنى سور المدينة وعقده على رقبة القلعة في سبع سنوات فقط " أين ذهبت 800 عام من تاريخ حصن الملوك والمدينة ¿ .

اخر التعليقات

اضافه تعليق